فصل: نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ:

(قَالَ): الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ الْأُسْتَاذُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ: الِاسْتِحْسَانُ تَرْكُ الْقِيَاسِ وَالْأَخْذُ بِمَا هُوَ أَوْفَقُ لِلنَّاسِ وَقِيلَ: الِاسْتِحْسَانُ طَلَبُ السُّهُولَةِ فِي الْأَحْكَامِ فِيمَا يُبْتَلَى فِيهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَقِيلَ: الْأَخْذُ بِالسَّعَةِ وَابْتِغَاءُ الدَّعَةِ وَقِيلَ: الْأَخْذُ بِالسَّمَاحَةِ وَابْتِغَاءُ مَا فِيهِ الرَّاحَةُ وَحَاصِلُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُ تَرْكُ الْعُسْرِ لِلْيُسْرِ وَهُوَ أَصْلٌ فِي الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَيْرُ دِينِكُمْ الْيُسْرُ» وَقَالَ لِعَلِيٍّ وَمُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا حِينَ وَجَّهَهُمَا إلَى الْيَمَنِ «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا قَرِّبَا وَلَا تُنَفِّرَا» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَلَا إنَّ الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ وَلَا تُبَغِّضُوا عِبَادَ اللَّهِ عِبَادَةَ اللَّهِ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى» وَالْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْحَقِيقَةِ قِيَاسَانِ: أَحَدُهُمَا جَلِيٌّ ضَعِيفٌ أَثَرُهُ فَسُمِّيَ قِيَاسًا وَالْآخَرُ خَفِيٌّ قَوِيٌّ أَثَرُهُ فَسُمِّيَ اسْتِحْسَانًا أَيْ قِيَاسًا مُسْتَحْسَنًا فَالتَّرْجِيحُ بِالْأَثَرِ لَا بِالْخَفَاءِ وَالظُّهُورِ كَالدُّنْيَا مَعَ الْعُقْبَى فَإِنَّ الدُّنْيَا ظَاهِرَةٌ وَالْعُقْبَى بَاطِنَةٌ وَتَرَجَّحَتْ بِالصَّفَاءِ وَالْخُلُودِ وَقَدْ يَقْوَى أَثَرُ الْقِيَاسِ فِي بَعْضِ الْفُصُولِ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَهُوَ نَظِيرُ الِاسْتِدْلَالِ مَعَ الطَّرْدِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْمُؤَثِّرِ أَقْوَى مِنْهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ حَسَنٌ ثُمَّ أَمَرَ بِاتِّبَاعِ الْأَحْسَنِ وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ هُوَ الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» ثُمَّ أُبِيحَ النَّظَرُ إلَى بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْهَا لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ فَكَانَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ كَمَا قُلْنَا وَالْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ ذَكَرَ مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ وَسَمَّاهُ كِتَابَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَلَوْ سَمَّاهُ كِتَابَ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ كَانَ مُسْتَقِيمًا لِأَنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ غَضَّ الْبَصَرِ وَمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَهَذَا هُوَ الزُّهْدُ وَالْوَرَعُ ثُمَّ بَدَأَ الْكِتَابَ بِمَسَائِلِ النَّظَرِ وَهُوَ يَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ وَالرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ، أَمَّا بَيَانُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الرَّجُلِ إلَّا إلَى عَوْرَتِهِ وَعَوْرَتُهُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَيْهِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتِهِ» وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَبُو عِصْمَةَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَنَّهُ أَحَدُ حَدَّيْ الْعَوْرَةِ فَيَكُونُ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالرُّكْبَةِ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاشْتِهَاءِ فَوْقَ الرُّكْبَةِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إذَا اتَّزَرَ أَبْدَى عَنْ سُرَّتِهِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِلْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَرِنِي الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ يُقَبِّلُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْك فَأَبْدَى عَنْ سُرَّتِهِ فَقَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» وَالتَّعَامُلُ الظَّاهِرُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ إذَا اتَّزَرُوا فِي الْحَمَّامَاتِ أَبْدَوْا عَنْ السُّرَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَأَمَّا مَا دُونَ السُّرَّةِ عَوْرَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ إلَى مَوْضِعِ نَبَاتِ الشَّعْرِ لَيْسَ مِنْ الْعَوْرَةِ أَيْضًا لِتَعَامُلِ الْعُمَّالِ فِي الْإِبْدَاءِ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عِنْدَ الِاتِّزَارِ وَفِي النَّزْعِ عَنْ الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ نَوْعُ حَرَجٍ؛ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ التَّعَامُلَ بِخِلَافِ النَّصِّ لَا يُعْتَبَرُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ فَأَمَّا الْفَخِذُ عَوْرَةٌ عِنْدَنَا وَأَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ يَقُولُونَ: الْعَوْرَةُ مِنْ الرَّجُلِ مَوْضِعُ السُّرَّةِ وَأَمَّا الْفَخِذُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْعَوْرَةُ وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَقَدْ دَلَّى رُكْبَتَهُ فِي رَكِيَّةٍ وَهُوَ مَكْشُوفُ الْفَخِذِ إذْ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَتَزَحْزَحْ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَتَزَحْزَحْ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَزَحْزَحَ وَغَطَّى فَخِذَهُ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَلَا أَسْتَحِي مِمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» فَلَوْ كَانَ الْفَخِذُ مِنْ الْعَوْرَةِ لَمَا كَشَفَهُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ جَرْهَدٌ وَهُوَ يُصَلِّي مَكْشُوفَ الْفَخِذِ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَارِ فَخِذَك أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ» وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ فِيهِ فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ فَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَانَ مَكْشُوفَ الرُّكْبَةِ ثُمَّ تَأْوِيلُهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ دَخَلَا جَلَسَا فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَقَعْ بَصَرُهُمَا عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ مَكْشُوفًا مِنْهُ فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَوْضِعٌ لَوْ جَلَسَ فِيهِ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى رُكْبَتِهِ فَلِهَذَا غَطَّاهُ فَأَمَّا الْآيَةُ فَالْمُرَادُ بِالسَّوْأَةِ الْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ وَبِهِ نَقُولُ أَنَّ الْعَوْرَةَ الْغَلِيظَةَ هِيَ السَّوْأَةُ وَلَكِنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ ثَبَتَ فِيمَا حَوْلَ السَّوْأَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ مِنْ مَوْضِعِ الْعَوْرَةِ فَيَكُونُ حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِيهِ أَخَفَّ فَأَمَّا الرُّكْبَةُ فَهِيَ مِنْ الْعَوْرَةِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «مَا أَبْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكْبَتَهُ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ قَطُّ» وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهَذَا ذِكْرَ الشَّمَائِلِ فَلَوْ كَانَتْ الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الشَّمَائِلِ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ وَلِأَنَّهُ حَدُّ الْعَوْرَةِ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالسُّرَّةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «حَتَّى تُجَاوِزَ الرُّكْبَةَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّكْبَةَ مِنْ الْعَوْرَةِ وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمِ السَّاقِ وَالْفَخِذِ وَعَظْمُ الْفَخِذِ عَوْرَةٌ وَعَظْمُ السَّاقِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الرُّكْبَةِ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِكَوْنِهَا عَوْرَةً وَكَوْنِهَا غَيْرَ عَوْرَةٍ فَتَرَجَّحَ الْمُوجِبُ لِكَوْنِهَا عَوْرَةً احْتِيَاطًا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» فَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْمَرْوِيُّ «مَا مَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ قَطُّ» وَهَذَا مِنْ الشَّمَائِلِ وَإِبْدَاءُ الرُّكْبَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كِنَايَةٌ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا ثُمَّ حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ وَلِهَذَا قُلْنَا مَنْ رَأَى غَيْرَهُ مَكْشُوفَ الرُّكْبَةِ يُنْكِرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَلَا يُنَازِعُ عَلَيْهِ إنْ لَجَّ وَإِنْ رَآهُ مَكْشُوفَ الْفَخِذِ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بِعُنْفٍ وَلَا يَضْرِبُهُ إنْ لَجَّ وَإِنْ رَآهُ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَمَرَهُ بِسَتْرِهَا وَأَدَّبَهُ عَلَى ذَلِكَ إنْ لَجَّ؛ وَمَا يُبَاحُ إلَيْهِ النَّظَرُ مِنْ الرَّجُلِ فَكَذَلِكَ الْمَسُّ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ يَجُوزُ مَسُّهُ كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ فَأَمَّا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ فَهُوَ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ بِاعْتِبَارِ الْمُجَانَسَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّلُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَمَا يُغَسِّلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ حَتَّى لَا يُبَاحُ لَهَا النَّظَرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى النِّسَاءَ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ بِمِئْزَرٍ وَبِغَيْرِ مِئْزَرٍ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: امْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ وَلْتَدْخُلْ مُسْتَتِرَةً وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ وَبِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ وَبِهِ نَقُولُ وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ بِبِنَاءِ الْحَمَّامَاتِ لِلنِّسَاءِ وَتَمْكِينِهِنَّ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا وَحَاجَةُ النِّسَاءِ إلَى دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ فَوْقَ حَاجَةِ الرِّجَالِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ الزِّينَةِ وَالْمَرْأَةُ إلَى هَذَا أَحْوَجُ مِنْ الرَّجُلِ وَيَتَمَكَّنُ الرَّجُلُ مِنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْأَنْهَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ.

.نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ:

فَأَمَّا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ فَهُوَ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ السُّرَّةَ وَمَا فَوْقَهَا وَمَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْ الرَّجُلِ وَمَا لَا يَكُونُ عَوْرَةً فَالنَّظَرُ إلَيْهِ مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَأَشَارَ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى إلَى أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ حَتَّى لَا يُبَاحَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَى ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ لِأَنَّهُ قَالَ: الْخُنْثَى أَلَّا يَنْكَشِفَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَلَا بَيْنَ النِّسَاءِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ النَّظَرِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ غِلَظٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ فِي النَّظَرِ كَالرَّجُلِ لَجَازَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَشْتَهِي إنْ نَظَرَ وَلَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَهِي أَوْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ لِأَنَّ النَّظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ نَوْعُ زِنًا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يُكَذِّبُ» وَالزِّنَا حَرَامٌ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «النَّظَرُ عَنْ شَهْوَةٍ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الشَّيْطَانِ».

.نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ:

فَأَمَّا نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ فَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ نَظَرُهُ إلَى زَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ وَنَظَرُهُ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَنَظَرُهُ إلَى إمَاءِ الْغَيْرِ وَنَظَرُهُ إلَى الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَأَمَّا نَظَرُهُ إلَى زَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ فَهُوَ حَلَالٌ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَنْ شَهْوَةٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ زَوْجَتِك وَأَمَتِك وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَكُنْت أَقُولُ بَقِّ لِي وَهُوَ يَقُولُ بَقِّ لِي» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ مُبَاحًا مَا تَجَرَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِهِ وَلِأَنَّ مَا فَوْقَ النَّظَرِ وَهُوَ الْمَسُّ وَالْغَشَيَانُ حَلَالٌ بَيْنَهُمَا قَالَ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} الْآيَةُ إلَّا أَنَّ مَعَ هَذَا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَأَى مِنِّي مَعَ طُولِ صُحْبَتِي إيَّاهُ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ» وَلِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ يُورِثُ النِّسْيَانَ وَفِي شَمَائِلِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا نَظَرَ إلَى عَوْرَتِهِ قَطُّ وَلَا مَسَّهَا بِيَمِينِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي عَوْرَةِ نَفْسِهِ فَمَا ظَنُّك فِي عَوْرَةِ الْغَيْرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ فَأَمَّا نَظَرُهُ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ فَنَقُولُ: يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} الْآيَةُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ عَيْنَ الزِّينَةِ فَإِنَّهَا تُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَرَاهَا الْأَجَانِبُ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَوْضِعُ الزِّينَةِ وَهِيَ الرَّأْسُ وَالشَّعْرُ وَالْعُنُقُ وَالصَّدْرُ وَالْعَضُدُ وَالسَّاعِدُ وَالْكَفُّ وَالسَّاقُ وَالرِّجْلُ وَالْوَجْهُ فَالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ وَالْإِكْلِيلِ وَالشَّعْرُ مَوْضِعُ الْقِصَاصِ وَالْعُنُقُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ وَالصَّدْرُ كَذَلِكَ فَالْقِلَادَةُ وَالْوِشَاحُ قَدْ يَنْتَهِي إلَى الصَّدْرِ وَالْأُذُنُ مَوْضِعُ الْقُرْطِ وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ وَالسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالْخِضَابِ وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ وَالْقَدَمُ مَوْضِعُ الْخِضَابِ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا دَخَلَا عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ وَهِيَ تَمْتَشِطُ فَلَمْ تَسْتَتِرْ وَلِأَنَّ الْمَحَارِمَ يَدْخُلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةٍ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا تَكُونُ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً وَلَا تَكُونُ مُسْتَتِرَةً فَلَوْ أَمَرَهَا بِالتَّسَتُّرِ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَكَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُبَاحُ الْمَسُّ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَيَقُولُ: أَجِدُ مِنْهَا رِيحَ الْجَنَّةِ وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِهَا فَعَانَقَهَا وَقَبَّلَ رَأْسَهَا» وَقَبَّلَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَبَّلَ رِجْلَ أُمِّهِ فَكَأَنَّمَا قَبَّلَ عَتَبَةَ الْجَنَّةِ» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِتّ أَغْمِزُ رِجْلَ أُمِّي وَبَاتَ أَخِي أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَمَا أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لَيْلَتِي بِلَيْلَتِهِ وَلَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ الْمَسُّ وَالنَّظَرُ إذَا كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا فَأَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ وَالْمَسَّ عَنْ شَهْوَةٍ نَوْعُ زِنًا وَحُرْمَةُ الزِّنَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَغْلَظُ وَكَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلْحَرَامِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعَرِّضَهَا لِلْحَرَامِ فَإِذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَلَا أَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ مِنْهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْقَدِيمِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَجَعَلَ حَالَهُمَا كَحَالِ الْجِنْسِ فِي النَّظَرِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَهُوَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْبِيهِ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ فَلَوْ كَانَ النَّظَرُ إلَى ظَهْرِ الْأُمِّ حَلَالًا لَهُ لَكَانَ هَذَا تَشْبِيهَ مُحَلَّلَةٍ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الظَّهْرِ يَثْبُتُ فِي الْبَطْنِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمَأْتَى وَإِلَى أَنْ يَكُونَ مُشْتَهًى مِنْهَا وَالْجَنْبَانِ كَذَلِكَ وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ بِالنَّسَبِ كَالْأُمَّهَاتِ وَالْجَدَّاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَبَنَاتِ الْأُخْتِ وَكُلُّ امْرَأَةٍ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي حَقِّهَا وَكَذَلِكَ الْمُحَرَّمَةُ بِالرَّضَاعِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَفْلَحَ بْنَ أَبِي قُعَيْسٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فِي ثِيَابِ فَضْلٍ فَقَالَ لِيَلِجَ عَلَيْك أَفْلَحُ فَإِنَّهُ عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ» وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَمْتَشِطُ فَيَأْخُذُ بِقُرُونِ رَأْسِهَا وَيَقُولُ أَقْبِلِي عَلَيَّ وَكَانَتْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلِأَنَّ الرَّضَاعَ لَمَّا جُعِلَ كَالنَّسَبِ فِي حُكْمِ الْحُرْمَةِ فَكَذَلِكَ فِي حِلِّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَكَذَلِكَ الْمُحَرَّمَةُ بِالْمُصَاهَرَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَخْتَلِفُونَ فِيمَا إذَا كَانَ ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَثْبُتُ بِهِ حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الزَّانِي لَا بِطَرِيقِ النِّعْمَةِ وَلِأَنَّهُ قَدْ جَرَّبَ مَرَّةً فَظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ فَلَا يُؤْمَنُ ثَانِيًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى مَحَاسِنِهَا كَمَا لَوْ كَانَ ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ هُنَاكَ لِأَنَّا إنَّمَا نُثْبِتُ الْحُرْمَةَ هُنَاكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى النِّكَاحِ فَإِذَا جَعَلْنَاهَا بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْحُرْمَةَ.
وَإِثْبَاتُ الْحُرْمَةِ ابْتِدَاءً بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ؛ ثُمَّ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَؤُلَاءِ وَأَنْ يُسَافِرَ بِهِنَّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» مَعْنَاهُ لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ لَهُ فَدَلَّ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مَذْعُورًا فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: خَلَوْت بِابْنَتِي فَخَشِيت عَلَى نَفْسِي فَخَرَجْت وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرَةُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا» فَدَلَّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ تُسَافِرَ مَعَ الْمَحْرَمِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يُعَالِجَهَا فِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّهَا وَرَاءَ ثِيَابِهَا وَيَأْخُذَ بِظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي هَوْدَجِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِيَأْخُذَهَا مِنْ الْهَوْدَجِ فَوَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى صَدْرِهَا فَقَالَتْ: مَنْ الَّذِي وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعٍ لَمْ يَضَعْهُ أَحَدٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنَا أَخُوك» وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ أُمِّي كَانَتْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ فَغَضِبَ وَقَالَ: أَكَانَتْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ حِينَ حَمَلَتْك أَكَانَتْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ حِينَ أَرْضَعَتْك حَوْلَيْنِ الْحَدِيثُ إلَى أَنْ قَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْت لَوْ حَمَلْتهَا عَلَى عَاتِقِي وَحَجَجْت بِهَا أَكُنْت قَاضِيًا حَقَّهَا فَقَالَ لَا وَلَا طَلْقَةَ» وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوْضِعِ الطَّوَافِ رَجُلًا قَدْ حَمَلَ أُمَّهُ عَلَى عَاتِقِهِ يَطُوفُ بِهَا فَلَمَّا رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ارْتَجَزَ فَقَالَ: أَنَا لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلْ إذَا الرِّكَابُ ذَعَرَتْ لَمْ أَذْعَرْ حَمَلْتهَا مَا حَمَلَتْنِي أَكْثَرْ فَهَلْ تَرَى جَازَيْتهَا يَابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: لَا وَلَا طَلْقَةَ يَا لُكَعُ وَلِأَنَّ بِسَبَبِ السَّتْرِ يَنْعَدِمُ مَعْنَى الْعَوْرَةِ وبالْمَحْرَمِيَّةِ يَنْعَدِمُ مَعْنَى الشَّهْوَةِ فَلَا بَأْسَ بِحَمْلِهَا وَمَسّهَا فِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ كَمَا فِي حَقِّ الْجِنْسِ وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى إمَاءِ الْغَيْرِ وَالْمُدَبَّرَاتِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُكَاتَبَاتِ فَهُوَ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} الْآيَةُ وَقَدْ كَانَتْ الْمُمَازَحَةُ مَعَ إمَاءِ الْغَيْرِ عَادَةً فِي الْعَرَبِ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَرَائِرَ بِاِتِّخَاذِ الْجِلْبَابِ لِيُعْرَفْنَ بِهِ مِنْ الْإِمَاءِ فَدَلَّ أَنَّ الْإِمَاءَ لَا تَتَّخِذُ الْجِلْبَابَ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَأَى أَمَةً مُتَقَنِّعَةً عَلَاهَا بِالدُّرَّةِ وَقَالَ: أَلْقِ عَنْك الْخِمَارَ يَا دِفَارِ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ الْأَمَةَ أَلْقَتْ قُرُونَهَا مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ أَيْ لَا تَتَقَنَّعُ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّ جِوَارِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْدُمْنَ الضِّيفَانَ كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ مُضْطَرِبَاتِ الْبَدَنِ وَلِأَنَّ الْأَمَةَ تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا وَإِنَّمَا تَخْرُجُ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا وَحَالُهَا مَعَ جَمِيعِ الرِّجَالِ فِي مَعْنَى الْبَلْوَى بِالنَّظَرِ وَالْمَسِّ كَحَالِ الرَّجُلِ فِي ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا كَمَا فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ يَقُولُ: لَا يُنْظَرُ إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إلَى رُكْبَتِهَا وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى مَا وَرَاءِ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا إلَّا إلَى مَوْضِعِ الْمِئْزَرِ وَلَكِنَّ تَأْوِيلَ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَتَّزِرُ عَلَى الصَّدْرِ فَهُوَ مُرَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكُلُّ مَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْهَا يُبَاحُ مَسُّهُ مِنْهَا إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ مَرَّ بِجَارِيَةٍ تُبَاعُ فَضَرَبَ فِي صَدْرِهَا وَمَسَّ ذِرَاعَهَا ثُمَّ قَالَ: اشْتَرُوا فَإِنَّهَا رَخِيصَةٌ فَهَذَا وَنَحْوُهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ أَوْ لَا يُرِيدُ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي حُكْمِ الْمَسِّ وَلِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ يَحْتَاجُ إلَى الْمَسِّ لِيَعْرِفَ لِينَ بَشَرَتِهَا فَيَرْغَبُ فِي شِرَائِهَا وَتَحِلُّ الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَالِجَهَا فِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ لِأَنَّ مَعْنَى الْعَوْرَةِ وَإِنْ انْعَدَمَ بِالسَّتْرِ فَمَعْنَى الشَّهْوَةِ بَاقٍ فِيهَا فَإِنَّهَا مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ يَبْعَثُهَا فِي حَاجَتِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَلَا تَجِدُ مَحْرَمًا لِيُسَافِرَ مَعَهَا وَهِيَ تَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُرَكِّبُهَا وَيُنَزِّلُهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَا بِأَنْ يَخْلُوَ بِهَا كَالْمَحَارِمِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ جَارِيَةَ الْمَرْأَةِ قَدْ تَغْمِزُ رِجْلَ زَوْجِهَا وَتَخْلُو بِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ فِي هَذَا كَالْأَمَةِ الْقِنَّةِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِنَّ وَالْمُسْتَسْعَاةُ فِي بَعْضِ الْقِيمَةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا بَلَغَتْ الْأَمَةُ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ تُعْرَضَ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَذَلِكَ إذَا بَلَغَتْ أَنْ تُجَامِعَ وَتَشْتَهِيَ لِأَنَّ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ مِنْهَا عَوْرَةٌ لِمَعْنَى الِاشْتِهَاءِ فَإِذَا صَارَتْ مُشْتَهَاةً كَانَتْ كَالْبَالِغَةِ لَا تُعْرَضُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ.